أخبار وطنية بعد الحديث عن تحييد خطاب الأيمة: مساجدنا مهدّدة بين التحريض والتسييس
إثر القرارات الأخيرة التي اتخذها وزير الشؤون الدينية عثمان بطيخ من إقالة لبعض الأئمة خاصة منهم المعروفين بخطبهم المتطرّفة وولائهم لبعض الأحزاب السياسية، راجت أنباء هذه الآونة تفيد اتجاه الوزارة نحو توحيد الخطب الدينية في المساجد وهو ما أثار جدلا وحفيظة في صفوف بعض الأطراف التي لا يخدمها هذا القرار.
وفي هذا الصدد ارتأت أخبار الجمهورية الاتصال بوجوه مختصة في الحديث عن هذا الموضوع فكان الآتي..
فاضل عاشور: خطبة الإمام في الجامع «بدعة»
صرّح لنا الكاتب العام لنقابة الإطارات وأعوان المساجد فاضل بن عاشور بأن خطبة الإمام في الجامع تعتبر «بدعة» وذلك لأنّ الوظيفة الحقيقية والشرعية للإمام هي الصعود للمنبر لقراءة وتلاوة القرآن فقط ولا يقيم أية خطبة، مشيرا إلى أن الرسول ے والخلفاء الراشدين من بعده دأبوا على هذا التمشي.
وأضاف قائلا : «من المهازل أن نرى الإمام اليوم يلعب دور الخطيب وهو ما ساهم في حدوث كل هذه التجاذبات والجدل». كما ذكر بأن بعض المذاهب تؤله الأمام وتعتبره خليفة وتعتبر الإمامة ركنا من أركان الإسلام ويقصد هنا المذهب الشيعي وفي ذلك دليل على «اللخبطة» الكبيرة في التعريف بالوظيفة الحقيقية للإمام.
ومن جهة أخرى أكد بن عاشور رفضه القاطع لاستغلال الخطب الدينية سياسيا كإستراتيجية تعتمدها أطراف معروفة قصد تمرير أجنداتها، مشددا على وجوب اقتصار دور الإمام في خطبة يوم الجمعة للحديث فيها عن مقاصد الإسلام السمحة وأركانه والتحسيس بيوم الآخرة والحساب ويوم الحشر. وقال: «المقصد الرئيسي للجمعة هو حشر قبل الحشر» أي بمعنى التذكير بالموت والعالم الآخر الذي ينتظرنا عبر تخليص المصلين من أجسادهم والارتقاء بأرواحهم وفق تعبيره.
كما أفاد محدثنا بأنه لا يجوز للخطب الدينية أن تتطرّق لمواضيع دنيوية وإلى الواقع المعيش بدليل أن الرسول ے قال في ذلك» مالي وللدُّنيا، ما أنا في الدُّنيا إلا كراكب استظلَّ تحت شجرةٍ، ثمَّ راح وتركها».
مشيرا إلى أن الإمام الجزائري «علي بلحاج» هو من ابتدع التطرق للحديث عن الواقع والدنيا خلال الخطب الدينية.
وختم فاضل بن عاشور مداخلته معنا قائلا: «يجب أن لا يكون المسجد بيد الأحزاب بل مرفقا عموميا يتم ضبطه بقانون أساسي ليكون كغيره من المرافق العمومية على غرار المدرسة والمستشفيات ومراكز الأمن، بعيدا عن كل التجاذبات السياسية كما حصل على مدى الـ3 سنوات الماضية حين وقع استغلال المساجد كبوق دعاية للانتخابات واستثمارها لتشويه المعارضين».
عبد الفتاح مورو: يجب إعطاء الثقة للأئمة
نائب رئيس مجلس نواب الشعب والقيادي في حركة النهضة عبد الفتاح مورو كان له أيضا نصيب للحديث معنا حول هذا الطرح، فأكد من ناحية وجوب وضرورة تحييد المساجد ودور العبادة أما من ناحية أخرى فقد اعتبر أن هذه المسألة ليست مهمة بقدر أهمية القضايا الوطنية التي تشغلنا ويستوجب معالجتها جذريا كالإرهاب والتطرّف .
كما أشار الى أنّ المطلوب حاليا من الأئمة أن يكون خطابهم تنويريا ووسطيا، منفتحا على كل القضايا المتعلقة بواقع الشعب التونسي ومشاغله ومستوعبا لها. مضيفا بأن ذلك لن يكون عن طريق توحيد الخطبة لأن ذلك سيرسّخ عدم الثقة في أئمتنا المسؤولين والأكفاء. ودعا إلى إعطائهم الفرصة لاختيار خطبهم وعدم الاستهانة بقدراتهم حتى لا تصبح بلادنا تعاني من فقدان الثقة بين أبنائها.
نور الدين البحيري: تحييد الخطب الدينية سيساهم في تغذية الشعور بالخوف
بدوره استنكر النائب بمجلس الشعب والقيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري بعض الممارسات التي اتبعتها وزارة الشؤون الدينية من إقالة لبعض الكفاءات بالوزارة دون وجه حقّ وتعويضهم بأشخاص معروفين بماضيهم التجمعي وولائهم للمخلوع بن علي سابقا وفق تعبيره.
كما استنكر البحيري الحديث عن موضوع تحييد الخطب الدينية في المساجد، قائلا إنّها لو تقررت فستساهم في تغذية الشعور بالخوف لدى الشعب التونسي.
عثمان بطيخ: هذه إشاعة
لا أساس لها من الصّحة
من جهته نفى وزير الشؤون الدينية عثمان بطيخ صحة ما يروج من أخبار حول توحيد خطب الجمعة وغلق جامع الزيتونة المعمور، موضّحا أن غلق هذا المعلم الديني العريق بعد تحريره كان بغاية تنظيمه قبل إعادة فتحه للعموم .
وأكد الوزير أن جامع الزيتونة سيكون مفتوحا أمام الإطار الديني، مبينا أن مسألة التعليم الزيتوني ليست مسؤولية الوزارة نظرا لارتباطها بنصوص قانونية تضبطها هياكل الدولة على حد تعبيره.
الدكتورة نائلة السليني: يجب الابتعاد عن المؤثرات السياسية
أمّا عن تحييد المساجد عن التجاذبات السياسية والحزبية فقد اعتبرت الدكتورة نائلة السليني أنها مسألة مصيرية، مشددة على وجوب النأي بالفضاء المسجدي عن كلّ المؤثرات والتوجهات التي تحكّمت في سياسة تونس منذ الثورة، بل وحتى مظلّة الحزب الدستوري والتجمّع.
وأضافت الدكتورة: «أعتقد أنّه آن الأوان حتى نتخلّص من هيمنة سلطة الإملاءات الحزبية التي تفرض قرارها وإرادتها في تعيين الأئمّة، وفي فرض توجيهاتها في مضامين خطب الجمعة».
وبخصوص الحديث عن مسألة توحيد الخطاب الديني، قالت السليني ان الأمر يختلف بالنسبة لها وذلك لأنها تجربة مرّت بها المساجد في عهد بن علي وكانت نتائجها المباشرة إفراغ العمل المسجدي من روح التوعية والإرشاد، ممّا نتج عنه تصحّر في الفكر الديني.
واقترحت محدثتنا بأن تتكفّل وزارة الشؤون الدينية بتكوين الأئمة تكوينا جادّا يقوم على عقلنة الظاهرة الدينية ومحاورتها مع ما يمرّ به مجتمعنا من اهتزازات وتحديات، هذا في مرحلة أولى وأن يتزامن هذا التكوين مع المراقبة اللصيقة لعمل الإمام.
وشدّدت السليني على وجوب إلمام الوزارة بالمحاور الهامة وتأطيرها دون أن تتدخّل في دقائق المسائل. وأن لا يلزَمَ الأئمّة بموضوع موحّد في خطب الجمعة أسبوعيّا، وإنّما يترك لهم حرية انتقاء المواضيع التي يتمّ إقرارها كلّ ثلاثة أشهر على أكثر تقدير.
وختمت الدكتورة مداخلتها معنا بالقول: «إنّ للمساجد أهمية كبرى ودورا في الحدّ من ظاهرة التطرّف والإرهاب».
عبد اللطيف الحناشي: هكذا تصبح بيوت العبادة مجمّعة لا مفرّقة
واعتقد المؤرّخ عبد اللطيف الحناشي بأن توحيد الخطاب الديني في المساجد بعد الثورة أمر غير محبّذ وغير ممكن. كما أن تسييس الخطاب الديني كما المساجد والأئمة يتناقض و الدستور والقيم التي جاءت بها الثورة...
وأشار إلى أنّ هناك قضايا عامة تمسّ الوطن والمواطن يمكن أن يتوحد حولها الخطاب بشكل تلقائي كان أو موجها. معتبرا بأنه بالإمكان سياسيا الدعوة إلى مقاومة الإرهاب أو العدوان الخارجي، أمّا على الصعيد الاجتماعي فيجب الدعوة مثلا للتضامن والتآزر أو مواجهة آثار الكوارث الطبيعية وفق تعبيره... وفي ما يتعلّق بمسألة تحييد المساجد عن كل التجاذبات السياسية والحزبية أفاد محدثّنا بأنها تعتبر من بين الأمور الضرورية وذلك حسب ما يؤكده الفصل السادس من الدستور خاصة بعد أن عاين المواطن كيف تحولت المساجد والجوامع بعد الثورة إلى منابر للتطرف والفكر التكفيري وتحولت إلى ساحة للخصام والعراك ولتصفية الصراعات السياسية والحزبية...
وفي الختام أشار مخاطبنا إلى أنّ الدول الديمقراطية تنأى ببيوت العبادة عن التجاذبات السياسية والحزبية التي يكون مكانها الطبيعي الساحات العامة المدنية وليس بيوت الله التي يجتمع فيها وحولها كل المؤمنين باختلاف أفكارهم وتوجهاتهم السياسية فهي تُجمّع ولا تفرّق.
منارة التليجاني